كيفية عمل الشعر.
اعلم أن لعمل الشعر واحكام صناعته شروطآ اولها الحفظ من جنسه اي من جنس شعر العرب حتى تنشأ في النفس ملكة ينسج على منوالها ويتخير المحفوظ من الحر النقي الكثير الأساليب وهذا المحفوظ المختار اقل ما يكفي فيه شعر شاعر من فحول الأسلام مثل ابن ابي ربيعة وكثير وذي الرمه وجرير وأبي نواس وأبي تمام والبحتري والشريف الرضي وأبي فراس وأكثره شعر كتاب الأغاني لأنه جمع شعر الطبقة الأسلامية كله والمختار من شعر الجاهلية
ثم لا بد له من الخلوة واستجادة المكان المنظوم فيه باشتماله على مثل المياه والأزهار وكذا استجادة المسموع لاستنارة القريحة باستجماعها وتنشيطها بملاذ السرور ثم مع هذا كله فشرطه أن يكون على جمام ونشاط فذلك اجمع له وأنشط للقريحه أن تأتي بمثل ذلك المنوال الذي في حفظه وقالوا خير الأوقات لذلك أوقات البكر عند الهبوب من النوم وفراغ المعده ونشاط الفكر وربما يكون من بواعثه عشق الشيء والأنشاء قالوا فآن استصعب علية بعد هذا كله فليتركه الى وقت اخر ولا يكره نفسه عليه وليكن بناء البيت على القافية من أول صوغه ونسجه يضعها ويبني الكلام عليها الى آخره لأنه ان غفل عن بناء البيت على قافية صعب عليه وضعها في محلها فربما تجيء نافرة قلقة وإذا سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه الى موضعه الأليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه ولم تبق إلا المناسبه فليتخير فيها كما يشاء واليراجع شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح والنقد ولا يضن به على الترك إذا لم يبلغ الإجادة فإن الإنسان مفتون بشعره إذ هو بنات فكره واختراع قريحه ولا يستعمل فيه من الكلام الا الأفصح من التراكيب والخالص من الضرورات اللسانية فاليهجرها فأنها تنزل بالكلام عن مستوى البلاغة وقد حظر أئمة اللسان على مولد ارتكاب الضرورة إذ هو في سعة منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلى من الملكة ويجتنب ايضآ المعقد من التراكيب جهده بحيث تكون الفاظه على طبق معانيه ومعانيه تسابق الفاظه إلى الفهم ويجتنب أيضآ الحوشي من الألفاظ والمقصر وكذلك السوقي المبتذل فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة أيضآ فيصير مبتذلا ويقرب من عدم الإفادة وفي هذا القدر كفاية
عن ابن خلدون باختصار[center]